الثلاثاء، 20 مارس 2018

رابعا: بعض أراء العلماء المسلمين في معاملة أهل الذمة -اليهود والنصارى(د) تعامله – صلى الله عليه وسلم – مع أهل الذمة – اليهود والنصارى –

(11) : سيرة الرسول -  صلى الله عليه وسلم –

(د) تعامله – صلى الله عليه وسلم – مع أهل الذمة – اليهود والنصارى –
رابعا: بعض أراء العلماء المسلمين في معاملة أهل الذمة -اليهود والنصارى :

- يقول ابن حزم الأندلسى: ( إن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع ( الخيل) والسلاح ونموت دون ذلك؛ صونا لمن هو في ذمة الله - عز وجل - وذمة رسوله، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة. (58) الفروق، الفرق (3/114)
- موقف القائد أبي عبيدة بن الجراح من أهل حمص وغيرهم، حينما رد عليهم أموالهم التي دفعوها مقابل حمايتهم من الاعتداء الخارجي؛ بسبب عجزهم عن ذلك، فقالوا: ردكم الله إلينا، ولعن الله الذين كانوا يملكوننا من الروم، ولكن والله لو كانوا هم ما ردوا إلينا بل غصبونا. (59) فتوح البلدان (143)
ابن تيمية

وهذا ابن تيمية يقف بعنف في وجه التتار عندما أرادوا إطلاق سراح أسرى المسلمين فقط، وإبقاء النصارى بالأسر فقال: إنا لا نرضى إلا بافتكاك جميع الأسرى من المسلمين وغيرهم، لأنهم أهل ذمتنا، ولا ندع أسيرا لا من أهل الذمة، ولا من أهل الملة. (59) الرسالة القبرصية (40)

- القاضي أبو يوسف يكتب إلى الرشيد قائلا: "... وقد ينبغي يا أمير المؤمنين - أيدك الله - أن تتقدم في الرفق بأهل ذمة نبيك؛ حتى لا يظلموا ولا يؤذوا ولا يكلفوا فوق طاقتهم". (60) الخراج (136)
- وقوف الإمام الأوزاعي في وجه الوالي العباسي صالح بن على عندما أساء إلى بعض أهل الذمة. كل ذلك شاهد لحماية غير المسلمين في المجتمع الإسلامي. (61)  فتوح البلدان (167)
- ولقد كانت الجامعات والمعاهد الإسلامية - عبر التاريخ - مفتوحة على مصاريعها لأهل الذمة، حتى تتلمذوا على أيدي علماء المسلمين وفقهائهم، فدرس حنين بن إسحق على يد الخليل الفراهيدي وسيبويه حتى أصبح حجة في اللغة العربية، وتتلمذ يحيى بن عدي على يد الفارابي، ودرس ثابت بن قرة على يد محمد بن موسى (62) مواطنون لا ذميون، فهمي هويدي، دار الشروق، القاهرة، ط4، 1426هـ/ 2005م، ص71. مواطنون لا ذميون (71)

- فلا يجوز في الإسلام إلحاق أي أذى بالمسلم أو غير المسلم من شتم أو قذف أو تجريح أو حتى غيبة، يقول فقهاء الحنفية: (ويجب كفّ الأذى عنه [أي الذمي] وتحرم غيبته كالمسلم)(63) الدر المختار (3/250) ويقول فقهاء المالكية: (إن عقد الذمة يوجب حقوقاً علينا لهم... فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيّع ذمة الله)( 64) الفروق (3/14)

- قصة أعظم محاكمة عرفها التاريخ! بين جيش المسلمين وكهنة سمرقند:
حدثت هذه القصة في عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز - رحمه الله ورضي عنه -  حينما أتى الجيش الإسلامي بقيادة قتيبة بن مسلم - يرحمه الله رحمه واسعة- على مشارف سمرقند أمر الجيش بأن يتجه للجبل خلف المدينة؛ لكي لا يرى أهل سمرقند جيش المسلمين فيتحصنوا، ثم هجم على المدينة بكتائب الجيش من خلف الجبال، وكأنهم إعصار من شدتهم وسرعتهم، وإذا بهم وسط سمرقند فاتحين لها ومهللين بذكر الله.
لم يملك أهل المدينة إلى الاستسلام التام، فهرب الرهبان إلى المعبد الكبير وسط الجبال، واختبأ أهل سمرقند في بيوتهم لا يخرجون خوفًا من المسلمين واستقر الوضع للمسلمين، ثم بدأ بعض أهل سمرقند الخروج من منازلهم لجلب الماء والطعام، وكانوا يرسلون أطفالهم الصغار للقيام بهذه المهام، وكان المسلمين لا يتعرضون لهم بل كانوا يساعدونهم بالنقل، وكان الأطفال يدخلوا على أهلهم بكل بشاشه وسعادة محملين بالطعام والماء، فبدأ الاطمئنان والسكينة يدخل قلوبهم.

وما هي إلا مدة قصيرة إلا ورجع الناس لمحلاتهم ومزارعهم وممتلكاتهم، فوجودها كما هي لم ينقص منها شيء، وبدأت الحياة الطبيعية تسير بين المسلمين وأهل سمرقند بالتجارة، ووجدوا المسلمين أمناء في تجارتهم لا يكذبون ولا يغشون ولا يظلمون، وزاد هذا الإعجاب بأن تشاجر اثنان واحد من أهل سمرقند وآخر من المسلمين، فذهبوا للقاضي فحكم القاضي للسمرقندي، فوصل الخبر للرهبان الهاربين في المعبد الذي بالجبل، فقالوا: إذا كان هذا قضائهم عادل فلا بد من وجود حاكم  عادل. 
فأمروا أحد رجالهم بأن يذهب لحاكم المسلمين ويخبره بما حدث، فذهب هذا الشاب حتى وصل إلى  دمشق وكان ممتلئ بالخوف، ورأى قصر كبير وقال في نفسه إن هذا هو قصر أميرهم، ولكن رأى الناس  تدخل وتخرج بدون حاجب ولا رقيب! تشجع ودخل وكان هذا هو المسجد الأموي المرصع بالأحجار الكريمة  والزخارف الإسلامية والمآذن الشامخة، والناس ركع سجود وأخذ يتأمل هذا المكان الرائع، ورأى المسلمين  يصتفون في صفوف متساوية مرتبه وهو مندهش من هذه الأعداد تصطف بهذه السرعة.
فتوجه بعد الصلاة وخروج المسلمين من المسجد إلى أحد المسلمين وسأل عن قصر الخليفة فقال له:  أين أميركم؟
فقال له: هو الذي صلى بنا أما رأيته؟!
قال: لا، قال له المسلم: ألم تصلي معنا؟
قال: وما  الصلاة؟
قال المسلم: هي طاعة وعبادة لله عز وجل وحده لا شريك له وترك الفحشاء والمنكر ثم قال له  المسلم: ألست بمسلم؟
قال: لا. فتبسم المسلم وقال له: ما دينك؟
قال: على دين كهنة سمرقند.
قال: وما  دينهم؟
قال: يعبدون الأصنام.
قال له المسلم: نحن مسلمون نعبد الله عز وجل ولا نشرك معه أحدًا. ثم وصف له منزل أمير المؤمنين، ذهب الشاب على الوصف فوجد منزل من طين قديم، ووجد رجل بجوار  الجدار يصلح الجدار وثوبه مليء بالطين، فرجع للمسلم بالمسجد وقال له: أتهزأ بي؟ أسألك عن أميركم  ترسلني لشخص فقير يصلِح الجدار؟! 

فقام المسلم مع الشاب حتى وصل لبيت عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين وقال له: هذا هو الأمير الذي يصلِح الجدار، فقال الشاب يا رجل لا تهزأ بي ثانيًا، قال المسلم والله هذا هو، فصُعِق الشاب وهو يتذكر كهنتهم المتكبرين على الناس.
وبينما هو مندهش يتأمل أتت امرأة مع ابنها وكانت تطلب من أمير المؤمنين أن يزيد عطائها من بين مال  المسلمين لأن أبنائها كثر، وفجأة يقوم ابن المرأة ويضرب ابن أمير المؤمنين، فقد تخاصما على لعبة صغيرة، وشق رأسه وأخذ الدم ينزف، فهرعت زوجة عمر للولد حملته وصرخت على المرأة.
فخافت المرأة وارتعبت بما فعل ولدها الصغير بابن أمير المؤمنين، ثم دخل عمر البيت ولف رأس ابنه، وخرج للمرأة وهدّأ من رَوعها وطمأنها وأخذ اللعبة من ابنه وأعطاها لولد المرأة ثم قال لها اذهبي للخازن وقولي له أن يرفع عطائك!
فقالت زوجة أمير المؤمنين: يضرب ابنك ثم ترفع لها المال وتهدي لابنها اللعبة؟! 
قال عمر لقد أرعبتيها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يحل لرجل أن يروع مسلمًا» (صحيح الترغيب:2806) ثم أكمل إصلاح الجدار. 
وكان الشاب السمرقندي ينظر إلى ما يراه بتعجب شديد، وهنا اجترأ وتقدم بخطى بطيئة إلى عمر بن عبد  العزيز وسأله: أنت أمير المسلمين؟
فقال الأمير: نعم وما شأنك؟
فقال يا أمير المؤمنين إني صاحب مظلمة، فردّ عليه الخليفة على منْ تشتكي؟
فقال الشاب: قتيبة بن مسلم ( فعلِم الخليفة إنها ليست شكوى بين اثنين) ثم أكمل الشاب شكواه: أرسلني كهنة سمرقند فأخبروني أنه من عادتكم أنكم عندما تفتحون أي بلد تخيرونهم بين ثلاثة أمور، أن تدعوهم للإسلام أو الجزية أو الحرب..
قال الخليفة: نعم. هذه عادتنا، ومن حق تلك البلاد أن تختار بين الثلاثة..
قال الشاب وليس من حقكم أن تقرروا وتفاجئوا وتهجموا؟ 
قال الخليفة: نعم. فليس من عادتنا أن نفعل ذلك والله سبحانه وتعالى أمرنا بذلك، ورسولنا الكريم نهانا عن الظلم. 
فقال الشاب: أما قتيبة بن مسلم لم يفعل ذلك، بل فاجأنا المسلمون بجيوشهم. لما سمع الخليفة ذلك لم يصدر أمر، فليس من عادته أن يسمع لطرف واحد، فلا بد أن يتأكد. فأخرج ورقة صغيرة وكتب فيها جملة من سطرين، فأغلقها وختم عليها، وقال الخليفة: أرسلها لوالي سمرقند وهو سيرفع عنكم المظلمة.
انطلق هذا الشاب من دمشق إلى سمرقند قاطعًا مسافة شاسعة في الصحاري والجبال وهو يقول: ورقة ماذا ستفعل ورقه أمام سيوف قتيبة بن مسلم المقاتل الشرس، حتى وصل إلى سمرقند وأعطاها للكهنة فقالوا له: أعطها للوالي ليقضي ما في الورقة..!
ذهب الشاب وأعطاها للوالي.. استغرب والي سمرقند وتعجب من الرسالة ولكنه يعرف ختم أمير المؤمنين، فتأكد أنها منه، فتحها.. فكان فيها الآتي: "من أميرالمؤمنين إلى والي سمرقند السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نصِّب قاضيًا يحكم بين كهنة سمرقند وقتيبة بن مسلم، وكن أنت مكان قتيبة"، لم يشأ الخليفة أن يرجع قتيبة ويشغله عن فتوحاته، وإن رأى القاضي غير هذا الأمر فنفذوه، لم يستطع الوالي فعل شي إلا أن يفعل كما كتب في ذلك السطرين. فعيَّن القاضي سريعًا.
لكن أمَرَ القاضي أن يُستدعى قتيبة لحرصه على العدل، وخاف أن تخفى أمورًا على الوالي لا يعرفها إلا قتيبة، فحدد لهم يوم غد في المسجد يجتمع الكهنة، ثم أمر القاضي بجمع الناس وبحضور قتيبة قائد أقوى جيش يصول الأرض، كان قتيبة بن مسلم قد أكمل المسير للصين في فتوحاته الإسلامية فأتاه أمر القاضي بالرجوع، حينما رجع بعد مسيرة يومين متواصلة..  قالوا: خاف الكهنة عندما علموا بوصول قتيبة وأخذوا يتصببون عرقًا.

نادى الغلام : ياقتيبة ( هكذا بلا لقب ) فجاء قتيبة، دخل قتيبة المسجد وضع سيفه وخلع نعله، ثم امتثل أمام القاضي، قال له القاضي اجلس بجوار خصمك. فجلس بجوار كبير الكهنة أمام القاضي جُميْع
هنا بدأت المحكمة حيث قال القاضي : ما دعواك يا سمرقندي ؟
 فقام الكاهن وقال: إجتاحنا قتيبة بجيشه ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا . كل البلاد أعطاها إنذار وخيارات دعوة للإسلام أو الجزية أو الحرب، إلا نحن هجم علينا بدون إنذار. التفت القاضي للقائد الفاتح قتيبة بن مسلم ما تقول، هذه شكوى عليك؟
فقال قتيبة: أصلح الله شأن القاضي فالحرب خدعة، هذا بلد عظيم عقبة أمامنا وكل الذين كانوا مثله كانوا يقاومون ولم يرضوا بالجزية، ولم يرضوا بالإسلام، وهؤلاء لو قاتلناهم بعد الإنذار سيقتلون فينا أكثر مما نقتل فيهم، وبحمد الله بهذه المفاجأة حمينا المسلمين من أذى عظيم والتاريخ يشهد ( يقصد تاريخ من قبلهم ) ولما فتحنا بلادهم العظيمة ما ورائهم كان سهل، نعم فاجأنهم لكن أنقذناهم وأدخلناهم الإسلام. 
فقال القاضي: يا قتيبة! هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟ فرد قتيبة لا. فاجأتهم لما حدثتك به من خطرهم.
فقال القاضي: يا قتيبة لقد أقررت، وإذا أقـرّ المدعي عليه انتهت المحاكمة، يا قتيبة ما نَصَرَ الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل، والله ما خرجنا من بيوتنا إلا جهادًا في سبيل الله، ما خرجنا لنملك الأرض ونحتل البلاد ونعلو فيها بغير حق. ثم أصدر هذا القاضي حكمه: " ثم قال : قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء وأن تترك الدكاكين والدور ، وأنْ لا يبق في سمرقند أحد ، على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك !! فتخرج جيوش المسلمين جميعًا من هذا البلد ويردوه إلى أهله ويعطوهم الفرصة ليستعدوا للقتال، ثم يخيروهم بين الإسلام أو الجزية أو الحرب، فإن اختاروا الحرب كان القتال، وأن يخرج جميع المسلمين كافه من سمرقند خِـفـافـًا كما دخلوها -أي بلا مكاسب تجارية- وتُسلم المدينة لأهلها، وذلك تطبيقًا لشرع الله عز وجل وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -". 

لم يصدق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه، فلا شهود ولا أدلة ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة، ولم يشعورا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم، وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو وأصوات ترتفع وغبار يعم الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار، فسألوا فقيل لهم إنَّ الحكم قد نُفِذَ وأنَّ الجيش قد انسحب، في مشهدٍ تقشعر منه جلود الذين شاهدوه أو سمعوا به...
وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية، وصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم، ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر، حتى خرجوا أفواجاً وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله.

إخواني وبني جلدتي:
هذا هو ديننا، هذا هو شرعنا، هذا هو قرآننا، وهذه أقوال وأفعال رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – وتلك كانت تصرفات الخلفاء الراشدين من بعده، وهذه كانت أراء العلماء وإجماع الأمة في كيفية التعامل مع أهل الذمة من اليهود والنصارى بل ومع المشركين وعبدة الأصنام تعامل قائم على مبدأ واضح لا إكراه في الدين، فالكل حر فيما يدين ويعتقد، وفي ذات الوقت لا محاباه من أجل الدين، فالعدل أساس الملك، والتعيش السلمي مكفول للجميع، وهنا نسأل ما رأيكم في قتال أبناء ديننا لبعض البعض فيما سمي بالربيع العربي؟! ومنْ المنتصر؟! ومنْ المهزوم؟! ومنْ المستفيد مما يجري من دمار للدور، وإراقة للدماء؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق