الجمعة، 2 مارس 2018

(11) سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم –ثالثا:ملاحظات تؤخذ في الاعتبار:



أسئلة كثيرة تدور برأسي، ويحتار فيها فكري وهي: هل نحن بحاجة إلى قراءة سيرة الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – مرة ثانية؟! وثالثة ورابعة ... الخ؟! وكيف تكون تلك القراءة؟! أتعتمد على مجرد السرد التاريخي للأحداث؟! أم تحتاج إلى العمق في القراءة بحيث تتحول من مجرد قراءة للوقائع التاريخية إلى دراسة متأنية عميقة تعتمد على فلسفة المواقف والأحداث وطرح العديد من الأسئلة حول السبب في تصرف الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – في هذا الموقف أو ذاك هكذا؟! ولماذا لم يتصرف بغير ذلك التصرف؟! كل ذلك في محاولة لإعمال العقل الذي كرم المولى – سبحانه وتعالى – به الإنسان ليبحث عن الأسباب الخفية أو بمعنى أدق عن الحكمة في تصرف الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – في أي موقف من خلال سؤال محدد لماذا كان هذا التصرف من الرسول – صلى الله عليه وسلم - ؟! ولماذا لم يتصرف بغيره؟! وما الحكمة في ذلك؟!

فأعتقد أننا بهذه الطريقة سنجد أنفسنا لم نقرأ سيرة الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – بالطريقة الواجب علينا قراءتها، ولم نفهمها بالطريقة الواجب علينا فهمها، ولم نقف على الحكمة في أقواله وتصرفاته – صلى الله عليه وسلم في المواقف المختلفة،  فلقد أرسل الحق تبارك وتعالى الرسل – صلوات الله وسلامه عليهم – ليقيم الحجة على الناس فقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَة} (1) النحل: 36
أما الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم -فلم يكن الهدف من إرسال الحق – تبارك وتعالى – له – صلى الله عليه وسلم – لمجرد هداية المشركين من أهل قريش أو غيرهم من الكفار والملاحدة من ظلمات الشرك إلى نور الإسلام فحسب، بل ليكون قدوة يقتدي بها كل منْ ينشد لنفسه السلامة في لقاء الله – جل وعلا -   في يوم القيامة،وتأكيدا لذلك المبدأ قال تعالى: { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } (2) الأحزاب: 21
ولقد استحق الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – بأن يكون القدوة لأنه أرسل للناس كافة، وهذا ما لم يتحقق لنبي قبله  ففي الحديث المتفق على صحته قال – صلى الله عليه وسلم : "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي -فذكر من بينها- وكان النبي يبعث إلى قومه خاص وبعثت إلى الناس عامة، وفي ذلك يقول سبحانه{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}(3) سبأ: 28
ويؤكد ذات المعنى الحديث الذي رواه مسلم في صحيحة حيث قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار.." 


قال الإمام ابن كثير:
هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر تبارك وتعالى الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب في صبره ومصابرته، ومرابطته ومجاهدته، وانتظاره الفرج من ربه عز وجل، صلوات الله وسلامه عليه دائماً إِلى يوم الدين، ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } أي: هلا اقتديتم به، وتأسيتم بشمائله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال تعالى: { لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلأَخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرا}
ثم قال تعالى مخبراً عن عباده المؤمنين المصدقين بموعود الله لهم، وجعله العاقبة حاصلة لهم في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ }

 قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة: يعنون قوله تعالى في سورة البقرة:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاَۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ }البقرة: 214]
أي: هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان الذي يعقبه النصر القريب، ولهذا قال تعالى: { وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ }. وقوله تعالى: { وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } دليل على زيادة الإيمان وقوته بالنسبة إِلى الناس وأحوالهم؛ كما قال جمهور الأئمة: إِنه يزيد وينقص، وقد قررنا ذلك في أول شرح البخاري، ولله الحمد والمنة، ومعنى قوله جلت عظمته: { وَمَا زَادَهُمْ } أي: ذلك الحال والضيق والشدة { إِلاَّ إِيمَاناً } بالله { وَتَسْلِيماً } أي: انقياداً لأوامره، وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم(4)  تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير

والإقتداء بالرسول – صلى الله عليه وسلم – كمبدأ عام لا يتجزأ بمعنى قبول تصرفه أو قوله – صلى الله عليه وسلم – في كل الأحوال، فلا يُنتقى منها ما يتوافق مع النفس والهوى، فنأخذ به، ونترك ما لا يتوافق مع النفس والهوى، فإما الإقتداء بالرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – في كل شيء، أو ترك الإقتداء به في كل شيء، فهذا هو المقصد والهدف من القدوة الحسنة، لمنْ؟! للذين يرجون الله – سبحانه وتعالى – ويدركون صدق الوعد بالنصر في الدنيا والآخرة، إذا اتخذوا من الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – القدوة والأسوة الحسنة في حياتهم الدنيا.

وهنا سأتخذ بعض النماذج نحاول من خلالها إعادة قراءة سيرة الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – في شيئ من التفصيل لنقف على الحكمة في كل منها:
·     صدق أمانة إخلاص
·     التعامل مع أهل قريش وأهل ثقيف
·     تحويل القبلة
·     تعامله – صلى الله عليه وسلم – مع أهل الذمة – اليهود والنصارى -

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق